ألقاب المعمولات في كتاب سيبويه - (دراسة في المصطلح النّحوي

جمعتْ هذه الدّراسة ألْقاب المعمولات التي جاءت في الكتاب مبثوثة في أبواب نحويّة متفرقة ، وسعتْ إلى دراستها من منظور صاحبها، وأظهرت فيما يخص تسميّة المعمولات الآتي:

1) أنَّ اصطلاحات المعمولات الاسميّة: (المبتدأ ،و الخبر ،و الفاعل ،و الاسم على اسم كان ،و خبر إنَّ ) من المرفوعات ، و ( المفعول به ،و المصدر على المفعول المطلق ،والمفعول له ،والظّرف على المفعول فيه ،والمفعول معه ، والمستثنى والاستثناء ،و التّفسير والتّبيين على التّمييز ،و خبر كان ،و الخبر على خبر ليس وما ولا ، والاسم على اسم إنَّ ،والمفعول الأوّل على المعمول الأوّل في باب ظنَّ، والمفعول الثّاني على المعمول الثّاني في باب ظنَّ ) من المنصوبات. و(المجرور على المجرور بحرف الجرِّ ، والمضاف إليه ) من المجرورات. و(النّعت والصّفة ، وعطف البيان ، والعطف و المعطوف ، والبدل والمبدل ، والتّوكيد) في التّوابع، من اصطلاحات كتاب سيبويه التي مازال النّحويون يستعملونها إلى اليوم .

2) أنَّ اصطلاحي( المفعول فيه ، والتّمييز) في الكتاب لم يستعملهما سيبويه بمفهوميهما النّحويينِ الشائعينِ.

3) أنَّ اصطلاحي ( نائب الفاعل ،و المفعول المطلق) لم يردا في الكتاب ، وإنّما هما من اصطلاحات النّحويين الخالفين لسيبويه .

4) أنَّ الاصطلاحات : ( اسم كان ، واسم ليس والحروف المشبَّهة بليس ،و المفعول لأجله ،و اسم إنّ ،و عطف النّسق، وبدل البداء والإضراب) لم تردْ في الكتاب بهذا التّقييد، لكنَّها ممَّا استوحاه النّحويون من عبارات سيبويه وألفاظه ، فسيبويه وضع بذرتها في الكتاب ،و استعملها النّحويون فيما بعد اصطلاحات نحويّة .

- وأظهر البحث أنَّ ( المفعول الذي لم يتعد إليه فعل فاعل ، والمفعول الذي تعداه فعله ) هو الاصطلاح المستعمل في الكتاب لمفهوم نائب الفاعل الاصطلاحي ، فسيبويه لم يستعمل له اصطلاحًا غير ه ؛ لأنَّه مفعول في الأصل ،و لأنَّ دلالته على المفعولية باقية وإنْ تحول الإسناد إليه حين يُبْنى فعلُه للمجهول .

- وتوصل البحث إلى أنَّ سيبويه سمَّى ( اسم كان ) اسم الفاعل ، و سمَّى (خبر كان ) اسم المفعول، وأنَّ هذه التسمية أي اسم الفاعل واسم المفعول المطلقة على اسم كان وخبرها ،إنَّما هي في موضع واحد من الكتاب دعتْ إليها منهجية سيبويه في التأليف ؛ إذ كان سيبويه قد بحث في الأبواب التي سبقت باب (كان) الإسناد إلى الفعل ؛ ولأنَّ (كان) مع معموليها شابهت الجملة الفعلية من جهة الشكل و شابهت الجملة الاسمية من جهة الدلالة بوب لها سيبويه في ذلك الموضع من الكتاب، و سمَّى معموليها (اسم الفاعل ، واسم المفعول ) في ذلك الموضع من الكتاب دون غيره .

- وأثبت البحث أنّ اصطلاح ( عطف البيان ) من اصطلاحات كتاب سيبويه المستعملة بمفهومها الاصطلاحي ، وفي ذلك ردٌّ على القول بعدم ذكر سيبويه (عطف البيان ) في الكتاب .

- وبيّن البحث أنَّ سيبويه يستعمل ( الصفة ، والوصف ) لمفهوم التوكيد الاصطلاحي في نمطين من التوكيد هما : التوكيد المعنوي ، والتوكيد بالمضمرات لمشابهته التوكيدَ المعنوي بالنفس .

- وتوصل البحث إلى أنَّ ثمّة عواملَ وأسبابًا أوهمتْ بتعدّد الاصطلاح النّحوي في الكتاب واضطرابه ، ويمكن إجمال تلك العوامل على النحو الآتي:

1)– منهج سيبويه في التّأليف النّحوي ، إذ يبحث سيبويه مسائل الباب النّحوي في عدد من الأبواب النّحوية المتداخلة مع غيرها من الأبواب الأخرى ، مراعيًا الإسناد أَإلى الفعل هو أمْ إلى الاسم؟ ، وهذا المنهج في مراعاة الإسناد جعل سيبويه يطلق الاصطلاح على المعمول في موضع يختلف عنه في موضع آخر ، نحو إطلاق سيبويه الخبر على الحال في الجملة الاسميّة حين يصح الإخبار بها ، ونحو إطلاق سيبويه اسم الفاعل واسم المفعول على مفهومي اسم كان وخبرها في موضع واحدٍ في الكتاب ؛ لأنَّ التّبويب لكان في ذلك الموضع اقتضى ذلك .

2)- مراعاة سيبويه للحقل اللّغوي الذي يبحث فيه مسائل الباب ؛ إذ قد يطلق سيبويه الاصطلاح على المعمول حين يبحثه في الحقل الدّلالي للجملة ، ويطلق اصطلاحًا آخرَ على المعمول نفسه حين يبحثه في الحقل التّركيبي للجملة ، نحو أنْ يطلق سيبويه الخبر على خبر المبتدأ حين يبحثه في الحقل الدّلالي للجملة، ويطلق المبني على المبتدأ على المفهوم نفسه حين يبحثه في الحقل التّركيبي للجملة ، ونحو أنْ يطلق سيبويه المضاف إليه على المجرور بحرف في الحقل الدّلالي ، ويطلق المجرور على المفهوم نفسه. أيِ المجرور بحرف الجرِّ في الحقل التّركيبي؛ لأنَّه من جهة المعنى مضافٌ إليه معنى الفعل ، أمَّا من جهة التّركيب فهو مجرور بحرف.

3)- إشارة سيبويه إلى صنفِ المعمول ، فقد يستعمل سيبويه لقبًا للمعمول مشيرًا به إلى صنفه أو أصله ، ولا يريد به اصطلاحًا وظيفيًا له، نحو أنْ يطلق (المصدر) على مفهوم المفعول المطلق ،وعلى مفهوم الحال و المفعول له حين يكونانِ من صنف المصادر .

4)- إشارة سيبويه إلى المشابهة بين بعض المعمولات حين يستعمل الاصطلاح ، فقد يطلق سيبويه اصطلاح المعمول على معمول آخر، مشيرًا إلى المشابهة بينهما في بعض الوجوه أو الخصائص الدّلالية أو التّركيبية ، نحو أن يطلق (المفعول فيه) و (الصّفة والوصف) على الحال؛ لمشابهة الحال لهذه المعمولات في بعض الوجوه ، ونحو إطلاقه (الصّفة) على عطف البيان لمشابهته إيّاها في الدّلالة على الوصفية.

5)- إشارة سيبويه إلى جواز أكثر من وجه في التّركيب الذي يتحدّث فيه ، فيستعمل اصطلاحي المعمولينِ بالمفهوم نفسه ، نحو استعمال المفعول به والمفعول معه بمفهوم واحد ؛ لصحة الوجهين في نمط معين من التّركيب .

- وأظهرتْ الدّراسة أنَّه قد سيء فهم اصطلاحات الكتاب حين وصفت بأنّها غير مستقِرّة ،وأنَّها غير واضحة ، وقد جاء سوء الفهم هذا من محاكمة الكتاب في اصطلاحاته بالنظر إلى اصطلاحات المتأخرين عنه واستعمالاتهم، لا إلى استعمالات صاحبه ، والأصل والإنصاف أنْ ينظر إليها من خلال استعمالات مؤلفه لاصطلاحاته، و للمفهومات التي قصد استعمال الاصطلاحات لها ، فاصطلاحات الكتاب تتناسب مع مفهومات الكتاب في عصر تأليف الكتاب، ومحاكمة اصطلاحاته بالنظر إلى استعمالات غيره قد يكون فيه ظلمٌ للكتاب وصاحبه.

- وأوضحتْ الدّراسة أنَّ سيبويه أرسى باكورة الاصطلاح النّحوي من خلال تدوينه اصطلاحات النّحو العربي ، واستيعاب الكتاب لها، فقد بدا جليًا أنَّ اصطلاحات المعمولات اصطلاحات سيبويهيّة ؛ إذ لم يزد النّحويون بعد سيبويه على الاختيار منها واعتمادها اصطلاحات نحويّة عليها إلى اليوم ، باستثناء نائب الفاعل والمفعول المطلق -كما أشير سابقًا- لذا يُعدُّ كتاب سيبويه أساس الاصطلاح النّحوي كما هو أساس النّحو عمومًا .

- لقد أثبت البحث على مدار الفصول الثّلاثة ،و في مواضع متعدّدة أنَّ سيبويه كان يستعمل اصطلاحاته بوعي تام لمفهوماتها ، وإذا نُظِرَ إليها من خلال مُراد سيبويه منها, ظهر جليًّا استقرار المصطلح النّحوي في الكتاب.

وأخيرا: يملي عليّ واجبُ الوفاء والاعتراف بالفضل والجميل أنْ أتقدّم بالشّكر الجزيل – بعد شكر الله جلَّ وعلا - لشيخي وأستاذي الدّكتور سعيد أحمد البطاطي ؛ لتفضله بالإشراف على إعداد هذا البحث؛ ولما بذله من جهد وصبر في تقويمه وإنارته بتوجيهاته السّديدة ، فإليه يرجع الفضل – بعد توفيق الله وعونه- في إتمام هذا البحث ، فقد وجدتُ منه رعاية و عناية أبوية وأخوية خالصة، كما غمرني بجميل أخلاقه ، وكرمه في تزويدي بمراجع قيمة متعلقة بالبحث فجزاه الله عنّي خير الجزاء . وأشكر جميع أساتذتي النّجباء في قسم اللّغة العربيّة في كليّة الآداب بجامعة حضرموت ، الذين أفدت منهم كثيرا، و لاسيَّما الاستاذ الدكتور عبدالله صالح بابعير ، والدكتور عبد اللّطيف سالم باخبازي ، فقد فتحا لي مكتبتيهما الخاصّة و زوداني بالمراجع القيمة، فجزاهم الله خير الجزاء . وكذا أشكر عمادة كليّة الآداب، وعمادة الدّراسات العليا بجامعة حضرموت ، وموظفيهما على تعاونهم في تيسير متطلبات إنجاز هذا البحث . و أشكر كلَّ مَن مدّ لي يد العون في إتمام هذا البحث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فهم أهل منة وفضل.

وبعدُ: فهذا جهد المقلِّ، و لست أدعي له الكمال ،ولا أحبُّ الحديثَ عن العوائق والصعوبات التي لاقيتها في إعداده ، فيكفي صعوبةً سبرُ أغوار الكتاب ، ووعورة عبارةِ سيبويه ، وصعوبة الإحاطةِ بكل معانيها في بعض الأحيان ، وكلّ ما أرجوه هو أنْ أكون قد أضفتُ شيئًا ينتفع به المهتمون بهذا القسم من الدّراسة ، فإنْ أصبت فمن فضل الله و ذلك ما كنّا نبغي ، وإنْ تكن الأخرى فمن نفسي وحسبي أَنّي اجتهدتُ، والحمدُ لله أولاً و آخراً.

&&&&&&&&&&&& الله يعطيك العافية &&&&&&&&&&&