عدد زوار المنتدى
.: عدد زوار المنتدى :.
دخول
بحـث
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 45 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 45 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 129 بتاريخ 6/11/2024, 23:38
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
صفحة 1 من اصل 1
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى.
ثم أما بعد، فيا إخوة الإسلام يا أحباب الحبيب المصطفى (عليه الصلاة والسلام )
لنستمع إلى القرآن وهو يعرض علينا مشهداً من مشاهد الآباء مع الأبناء، مع لقمان الحكيم وهو يجلس مع ابنه جلسة روحية يوصيه فيها بأعظم وصية في الحياة، لقمان الحكيم يجلس ابنه أمامه، فلذة كبده وثمرة قلبه وفؤاده، ويوصيه وصية أب مشفق على ابنه، فاسمعوا إلى القرآن وهو يعرض علينا هذه الوصايا في إبداع عجيب، وروعة متناهية وأسلوب بديع يقول سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ) [لقمان:12].
فمن هو لقمان – يا عباد الله –؟ إنه مولى من الموالي وعبد من العبيد وراع من رعاة الأغنام، وفقه الله بالحكمة ومجده بالتقوى وشرفه الله بالإيمان.
من عرف الله فلـم تغنـه معرفة الله فذاك الشقي
ما يصنع العبد بعز الغنى والعز كل العز للمتقي
آتى الله سبحانه وتعالى عبده لقمان الحكمة، (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ) [البقرة:269].
ومما يؤثر من حكمته أن مولاه أمره بذبح شاة وأن يخرج له أطيب مضغتين فيها، فأخرج له اللسان والقلب، ثم أمره أن يخرج له أخبث مضغتين فيها، فأخرج له اللسان والقلب، فالتفت إليه متعجباً! فقال لقمان: ليس شيء هناك أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى عبده لقمان بالشكر على هذه النعم التي أعطاها الله سبحانه وتعالى إياه، فقال سبحانه: (وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ) [لقمان:12].
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإلـه فإن الإلـه سـريع النقم
إخوة الإسلام:
استمعوا إلى وصايا لقمان لابنه وإلى آثار الحكمة التي أنعمها الله عليه، يقول سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]. انظروا إلى روعة الخطاب قال سبحانه: (وَهُوَ يَعِظُهُ) ما قال: يوبخه ولا يؤنبه ولا يزجره ولا يعنفه، ثم قال له: (يٰبُنَىَّ) يتلطف مع ابنه ويتحنن معه، وهذه من آداب الدعوة التي ينبغي أن يتحلى بها كل داعية إلى الله وكل ناصح إلى طريق الله فإن الله سبحانه وتعالى لما بعث موسى إلى فرعون الطاغية الذي ادعى الألوهية والربوبية مع الله ومع ذلك قال الله لموسى وأخيه هارون: (ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ،،،فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) [طه:43-44].
(يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]. بدأ لقمان يوصي ابنه بأعظم وصية وهي التوحيد الذي قامت عليه دعوة الأنبياء والمرسلين، وهي الوصية التي كان يعلمها الرسول (عليه الصلاة والسلام ) لأصحابه وأتباعه من بعده، في مسند الإمام أحمد بسند صحيح أن الرسول (عليه الصلاة والسلام ) ركب حماراً وأردف خلفه معاذا (رضي الله عنه )، فقال الرسول لمعاذ: ((أتدري ما حق الله على العباد؟))، فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) : ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً))، ثم قال الرسول لمعاذ: ((أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟))، فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله (عليه الصلاة والسلام ): ((فإن حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة)).
قال ابن مسعود (رضي الله عنه ) - كما في الصحيحين -: لما أنزل الله عز وجل: (ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام:82] شق ذلك على أصحاب رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) فأتوا إليه (عليه الصلاة والسلام )، قالوا: يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ – وهم يعنون المعاصي – فقال (عليه الصلاة والسلام ) : ((ليس ذلك المراد، إن المراد الشرك، أما سمعتم قول العبد الصالح لقمان: ((إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)))).
فهل آن للآباء أن يجلسوا مع أبنائهم ويوصونهم بتوحيد الخالق جل في علاه، ويقولوا لهم: لا تشركوا بالله ولا تكفروا بالله ولا تجحدوا نعم الله، ولا تكفروا بآلاء الله ولا تراؤوا بأعمالكم غير الله، إنها والله أعظم وصية في تاريخ الإنسان وأكبر موعظة في تاريخ البشرية.
ثم يفصل الله سبحانه وتعالى وصايا لقمان بوصية من عنده فيقول: (وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ) [لقمان:14]. فقرن الله حقه بحق الوالدين، وقرن شكره بشكر الوالدين، فـ((رِضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين)) كما صح ذلك عن الصادق المصدوق محمد .
لا إله إلا الله، ما للوالدين من حقوق، ولا إله إلا الله ما للوالدين من واجبات، فعن ابن عباس (رضي الله عنه )ما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها: إحداهما قول الله تعالى: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ [التغابن:12]، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، الثانية قوله تعالى: (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ) [المزمل:20]، فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه، والثالثة قوله تعالى: (أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ) [لقمان:14]، فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
وبدأ الله سبحانه وتعالى في الآية بحق الأم، لأن لها ثلاثة أرباع الحق، فقد جاء رجل إلى رسول الله (عليه الصلاة والسلام ): فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)).
ذكر أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع زوجته إلى القاضي على غلام لهما، أيهما أحق بحضانته؟ فقالت الأم للقاضي: أنا أحق به حملته مشقة، وحملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته، فقال أبو الأسود للقاضي: حملتُه قبل أن تحمِلَه، ووضعتُه قبل أن تضَعَه، فإن كان لها بعض الحق فلي الحق كله أو جله، فقالت المرأة: إن كنت حملتَه خفاً فقد حملتُه ثقلاً، ولئن وضعتَه شهوة فقد وضعتُه كرهاً، فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعنا من سجعك.
وهاهو ابن عمر (رضي الله عنه ) يرى في طوافه وهو يطوف بالبيت الحرام رجلا وقد أركب أمه على ظهره وأتى بها حاجاً إلى بيت الله، فيلتفت الرجل إلى ابن عمر ويقول له: يا ابن عمر أتراني قد أوفيت حقها؟ فقال له ابن عمر: والله ما أوفيتها ولا طلقة من طلقات ولادتها.
وفي الصحيحين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: أتى رجل أبا الدرداء فقال له: إني تزوجت ابنة عمي، وهي أحب الناس إلي، وأمي تكرهها وأمرتني بفراقها وطلاقها، فقال له أبو الدرداء: لا آمرك بفراقها ولا آمرك بإمساكها، إنما أخبرك بما سمعته من رسول الله (عليه الصلاة والسلام )، لقد سمعته يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فضيع ذلك الباب أو احفظه)).
فالله الله – يا عباد الله - في بر الوالدين، بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله، يسأل (عليه الصلاة والسلام ): أي العمل أفضل؟ فيقول (عليه الصلاة والسلام ): ((الصلاة لوقتها))، قيل: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين))، قيل: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).
يأتي رجل إلى رسول الله (عليه الصلاة والسلام )فيقول: يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال (عليه الصلاة والسلام ): ((هل بقي من والديك أحد؟)) قال: نعم أمي، فقال له (عليه الصلاة والسلام ): ((قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد)).
ويأتيه رجل من اليمن يبايعه على الجهاد والهجرة، ويخبره بأنه أبكى والديه بهجرته، فيقول الرسول (عليه الصلاة والسلام ): ((ارجع إليهما ففيهما فجاهد))، وفي رواية: ((ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما)).
ويأتيه جاهمة (رضي الله عنه ) يستأذنه في الجهاد فقال له الرسول: ((أحيّ والدتك؟)) قال: نعم، قال: ((الزمها فإن الجنة عند رجليها)).
ولذلك كان أحد السلف يقبل كل يوم قدم أمه فأبطأ يوماً على أصحابه فسألوه، فقال: كنت أتمرغ في رياض الجنة تحت قدمي أمي، فقد بلغني أن الجنة تحت قدميها.
ولما ماتت أم إياس القاضي المشهور بكى عليها فقيل له: ما بك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما.
فالله الله في بر الوالدين، الله الله في بر الوالدين، من أراد السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة فعليه ببر الوالدين، من أراد تفريج الهموم والكروب وتيسير الأمور فعليه ببر الوالدين، من أراد الرزق وطول العمر فعليه ببر الوالدين، صح عنه أنه قال: ((من أراد أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليبر والديه وليصل رحمه)).
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى (عليه الصلاة والسلام ):
روي عن الصادق المصدوق محمد (عليه الصلاة والسلام ): أنه قال: ((إذا ظهر في أمة محمد أربع عشرة خصلة فانتظروا ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع كنظام قطع سلكه، ومن هذه الخصال: إذا أطاع الرجل زوجته، وعقّ أمه، وأدنى صديقه، وأبعد أباه)).
وعند الطبراني من حديث أبي ذر (رضي الله عنه ): ((يأتي زمان لأن يربي أحدكم كلباً خير له من أن يربي ولداً)). ونعوذ بالله أن يكون هذا زماننا.
عقوق الوالدين من أكبر الكبائر – يا عباد الله – عاق الوالدين ملعون، عاق الوالدين حرام عليه الجنة، عاق الوالدين دعا عليه أفضل أهل السماء وأمّن على هذه الدعوة أفضل أهل الأرض، صعد المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال: ((آمين))، ثم رقى الثانية فقال: ((آمين))، ثم رقى الثالثة فقال: ((آمين))، فلما نزل سأله الصحابة عن ذلك، فقال: ((لما كنت في الدرجة الأولى عرض علي جبريل وقال: يا محمد رغم أنف من أدرك أحد أبويه أو كليهما فلم يدخلاه الجنة قل: آمين، فقلت: آمين)).
إلى الله المشتكى مما وصل إليه الحال من عقوق الوالدين، لقد وجد في مجتمعنا أبناءٌ قلوبهم أشد قسوة من قلوب اليهود والنصارى، وجد من سب أباه ومن شتم أباه ومن استهزأ وتنقّص أباه، ووجد من تعير بأبيه وأمه وظن أنهما لا يتناسبان مع مكانته ومركزه، ووجد من فضل زوجته على أبيه وأمه، هذا رجل يذهب هو وزوجته وأمه إلى سوق الذهب وأم الرجل تحمل ابنه على كتفها، فيدخل الرجل وزوجته إلى محل صائغ الذهب، فيشتري الرجل لزوجته ذهباً بما يساوي 600 ألف ريال، وتأخذ الأم خاتماً بما يساوي ألفين وخمسمائة ريال، ويأتي الرجل فيحاسب عن الذهب الذي اشترته زوجته فيقول له البائع: بقي عليك ألفان وخمسمائة ريال قيمة الخاتم الذي أخذته هذه المرأة، فيغضب الابن غضباً شديداً ويقول: هذه العجوز لا تحتاج إلى ذهب، فتنفجر الأم باكية وتعود إلى السيارة وهي حاملة لابن ابنها ولسان حالها يقول: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ) [يوسف:86]، ويرجع الزوج إلى السيارة وإذا بالزوجة تؤنبه وتوبخه وتأمره أن يشتري لأمه الخاتم ولسان حالها يقول: من يحمل لنا هذا الطفل إذا لم تشتر لها هذا الخاتم، يأتمر الرجل بأمر زوجته ويذهب لشراء الخاتم ويعطيه لأمه، فتلقيه الأم في الشارع وتقول: والله لا ألبس ذهباً في حياتي، حسبي الله ونعم الوكيل.
هذه أحداث ثابتة وواقعة والله ليست أساطير تروى، ولا حكايات تتلى، وعشرات مثلها في البيوت، ونعوذ بالله من العقوق والعاقين.
فنسأله تعالى أن يجعلنا من عباده البارين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ) [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
فيا أيها العاق لوالديه، اتق الله واحذر دعوة من والديك قد تصادف ساعة إجابة، فتكون سهماً صائباً يرديك ويشقيك في الدنيا والآخرة، أذكر أن أباً كان له ابن اسمه منازل، وكان هذا الابن عاقاً بأبيه ولكن الأب الصالح دائما ما يذكره بالله، وكلما ذكره بالله زاد نفوره وعقوقه، وفي ذات يوم ألح عليه في التذكير فما كان من الابن إلا أن ضرب أباه، وما كان من الأب إلا أن شد الرحال إلى بيت الله الحرام وتعلق في أستار الكعبة، ودعا الله على ذلك الابن العاق، فوالله ما أتم الأب دعاءه إلا وقد شلت يمينه أشل يد ذلك الابن لدعاء أبيه عليه، فدعوة الأب على ابنه مستجابة.
وهذه حادثة وقعت في زماننا: أب كان له ابن يعمل في مزرعته، وأراد الابن أن يسافر للعمل ويترك أباه فاستأذن الابن أباه في السفر، فلم يأذن الأب وحاول الابن مع أبيه مرات ومرات ولكن الأب يرفض، فقال الابن: سوف أذهب وأسافر رضيت أم أبيت، وسافر الابن وعصى أباه، فما كان من الأب الصالح إلا أن توجه بيده إلى السماء وقال: اللهم أرني فيه ما يكره، فوالله ما وصل إلى نصف الطريق إلا وقد عميت عيناه، فرجع إلى أبيه وهو أعمى، فقال له الأب: هل وجدت السهم؟ قال: الابن إي والله، فحزن الأب على ابنه حزناً شديداً، وتأثر عليه تأثراً بالغاً، ونام ليلته تلك ساجداً راكعاً بين يدي الله سبحانه وتعالى يدعو الله بشفاء ابنه ويلحس عيني ابنه بلسانه، فوالله ما قام لصلاة الفجر إلا وقد رد الله بصر ابنه.
أيها العاق لوالديه، اتق الله وترقب عقوبة عاجلة، فكل الذنوب قد يؤخرها الله عز وجل إلى الآخرة إلا العقوق، فعقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة.
ذكر العلماء أن رجلاً كان عنده والد كبير، امتدت به الحياة حتى تأفف من خدمته والقيام على شؤونه، فأخذه في يوم من الأيام على دابة وخرج به إلى الصحراء، فلما وصل بوالده إلى صخرة هناك أنزله فقال: يا بني ماذا تريد أن تفعل بي هاهنا؟ فقال الابن العاق: أريد أن أقتلك، أريد أن أذبحك، فقال له الأب: أهذا جزاء الإحسان يا بني فقال الابن العاق: لقد أتعبتني في حياتي ولا بد أن أذبحك، فقال له الأب: إن أبيت إلا أن تذبحني فاذبحني عند تلك الصخرة، قال: ولم يا أبت ما ضرك أن أذبحك عند هذه أو تلك؟ قال: يا بني لقد كنت عاقاً بوالدي وذبحته عند تلك الصخرة، فإن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند تلك الصخرة، والله يا بني مثلها.
حصادك يوماً ما زرعت وإنما يدان الفتى يوماً كما هو دائن
فيا أيها الأبناء اتقوا الله في آباءكم بروا آباءكم، أطيعوا آباءكم، وإياكم والعقوق، فالتوبة التوبة، لا نخرج من المسجد إلا وقد عاهدنا الله عز وجل بطاعة الوالدين وبرهما والتوبة عن كل تقصير تجاههما، فإن لم يكونوا موجودين فلندع لهما ولنتصدق عليهما، ولنصل صديقهما فإن ذلك من برهما، وأنتم يا أيها الآباء أعينوا أبناءكم على الطاعة والبر، وادعوا لهم بالهداية والتوفيق، وإياكم من الدعاء عليهم فقد تصادف الدعوة ساعة إجابة فتندمون على ذلك يوم لا ينفع الندم.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.
موقع طريق الدعوة
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى.
ثم أما بعد، فيا إخوة الإسلام يا أحباب الحبيب المصطفى (عليه الصلاة والسلام )
لنستمع إلى القرآن وهو يعرض علينا مشهداً من مشاهد الآباء مع الأبناء، مع لقمان الحكيم وهو يجلس مع ابنه جلسة روحية يوصيه فيها بأعظم وصية في الحياة، لقمان الحكيم يجلس ابنه أمامه، فلذة كبده وثمرة قلبه وفؤاده، ويوصيه وصية أب مشفق على ابنه، فاسمعوا إلى القرآن وهو يعرض علينا هذه الوصايا في إبداع عجيب، وروعة متناهية وأسلوب بديع يقول سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ) [لقمان:12].
فمن هو لقمان – يا عباد الله –؟ إنه مولى من الموالي وعبد من العبيد وراع من رعاة الأغنام، وفقه الله بالحكمة ومجده بالتقوى وشرفه الله بالإيمان.
من عرف الله فلـم تغنـه معرفة الله فذاك الشقي
ما يصنع العبد بعز الغنى والعز كل العز للمتقي
آتى الله سبحانه وتعالى عبده لقمان الحكمة، (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ) [البقرة:269].
ومما يؤثر من حكمته أن مولاه أمره بذبح شاة وأن يخرج له أطيب مضغتين فيها، فأخرج له اللسان والقلب، ثم أمره أن يخرج له أخبث مضغتين فيها، فأخرج له اللسان والقلب، فالتفت إليه متعجباً! فقال لقمان: ليس شيء هناك أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى عبده لقمان بالشكر على هذه النعم التي أعطاها الله سبحانه وتعالى إياه، فقال سبحانه: (وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ) [لقمان:12].
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإلـه فإن الإلـه سـريع النقم
إخوة الإسلام:
استمعوا إلى وصايا لقمان لابنه وإلى آثار الحكمة التي أنعمها الله عليه، يقول سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]. انظروا إلى روعة الخطاب قال سبحانه: (وَهُوَ يَعِظُهُ) ما قال: يوبخه ولا يؤنبه ولا يزجره ولا يعنفه، ثم قال له: (يٰبُنَىَّ) يتلطف مع ابنه ويتحنن معه، وهذه من آداب الدعوة التي ينبغي أن يتحلى بها كل داعية إلى الله وكل ناصح إلى طريق الله فإن الله سبحانه وتعالى لما بعث موسى إلى فرعون الطاغية الذي ادعى الألوهية والربوبية مع الله ومع ذلك قال الله لموسى وأخيه هارون: (ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ،،،فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) [طه:43-44].
(يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]. بدأ لقمان يوصي ابنه بأعظم وصية وهي التوحيد الذي قامت عليه دعوة الأنبياء والمرسلين، وهي الوصية التي كان يعلمها الرسول (عليه الصلاة والسلام ) لأصحابه وأتباعه من بعده، في مسند الإمام أحمد بسند صحيح أن الرسول (عليه الصلاة والسلام ) ركب حماراً وأردف خلفه معاذا (رضي الله عنه )، فقال الرسول لمعاذ: ((أتدري ما حق الله على العباد؟))، فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) : ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً))، ثم قال الرسول لمعاذ: ((أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟))، فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله (عليه الصلاة والسلام ): ((فإن حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة)).
قال ابن مسعود (رضي الله عنه ) - كما في الصحيحين -: لما أنزل الله عز وجل: (ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام:82] شق ذلك على أصحاب رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) فأتوا إليه (عليه الصلاة والسلام )، قالوا: يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ – وهم يعنون المعاصي – فقال (عليه الصلاة والسلام ) : ((ليس ذلك المراد، إن المراد الشرك، أما سمعتم قول العبد الصالح لقمان: ((إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)))).
فهل آن للآباء أن يجلسوا مع أبنائهم ويوصونهم بتوحيد الخالق جل في علاه، ويقولوا لهم: لا تشركوا بالله ولا تكفروا بالله ولا تجحدوا نعم الله، ولا تكفروا بآلاء الله ولا تراؤوا بأعمالكم غير الله، إنها والله أعظم وصية في تاريخ الإنسان وأكبر موعظة في تاريخ البشرية.
ثم يفصل الله سبحانه وتعالى وصايا لقمان بوصية من عنده فيقول: (وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ) [لقمان:14]. فقرن الله حقه بحق الوالدين، وقرن شكره بشكر الوالدين، فـ((رِضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين)) كما صح ذلك عن الصادق المصدوق محمد .
لا إله إلا الله، ما للوالدين من حقوق، ولا إله إلا الله ما للوالدين من واجبات، فعن ابن عباس (رضي الله عنه )ما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها: إحداهما قول الله تعالى: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ [التغابن:12]، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، الثانية قوله تعالى: (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ) [المزمل:20]، فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه، والثالثة قوله تعالى: (أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ) [لقمان:14]، فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
وبدأ الله سبحانه وتعالى في الآية بحق الأم، لأن لها ثلاثة أرباع الحق، فقد جاء رجل إلى رسول الله (عليه الصلاة والسلام ): فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)).
ذكر أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع زوجته إلى القاضي على غلام لهما، أيهما أحق بحضانته؟ فقالت الأم للقاضي: أنا أحق به حملته مشقة، وحملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته، فقال أبو الأسود للقاضي: حملتُه قبل أن تحمِلَه، ووضعتُه قبل أن تضَعَه، فإن كان لها بعض الحق فلي الحق كله أو جله، فقالت المرأة: إن كنت حملتَه خفاً فقد حملتُه ثقلاً، ولئن وضعتَه شهوة فقد وضعتُه كرهاً، فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعنا من سجعك.
وهاهو ابن عمر (رضي الله عنه ) يرى في طوافه وهو يطوف بالبيت الحرام رجلا وقد أركب أمه على ظهره وأتى بها حاجاً إلى بيت الله، فيلتفت الرجل إلى ابن عمر ويقول له: يا ابن عمر أتراني قد أوفيت حقها؟ فقال له ابن عمر: والله ما أوفيتها ولا طلقة من طلقات ولادتها.
وفي الصحيحين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: أتى رجل أبا الدرداء فقال له: إني تزوجت ابنة عمي، وهي أحب الناس إلي، وأمي تكرهها وأمرتني بفراقها وطلاقها، فقال له أبو الدرداء: لا آمرك بفراقها ولا آمرك بإمساكها، إنما أخبرك بما سمعته من رسول الله (عليه الصلاة والسلام )، لقد سمعته يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فضيع ذلك الباب أو احفظه)).
فالله الله – يا عباد الله - في بر الوالدين، بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله، يسأل (عليه الصلاة والسلام ): أي العمل أفضل؟ فيقول (عليه الصلاة والسلام ): ((الصلاة لوقتها))، قيل: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين))، قيل: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).
يأتي رجل إلى رسول الله (عليه الصلاة والسلام )فيقول: يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال (عليه الصلاة والسلام ): ((هل بقي من والديك أحد؟)) قال: نعم أمي، فقال له (عليه الصلاة والسلام ): ((قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد)).
ويأتيه رجل من اليمن يبايعه على الجهاد والهجرة، ويخبره بأنه أبكى والديه بهجرته، فيقول الرسول (عليه الصلاة والسلام ): ((ارجع إليهما ففيهما فجاهد))، وفي رواية: ((ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما)).
ويأتيه جاهمة (رضي الله عنه ) يستأذنه في الجهاد فقال له الرسول: ((أحيّ والدتك؟)) قال: نعم، قال: ((الزمها فإن الجنة عند رجليها)).
ولذلك كان أحد السلف يقبل كل يوم قدم أمه فأبطأ يوماً على أصحابه فسألوه، فقال: كنت أتمرغ في رياض الجنة تحت قدمي أمي، فقد بلغني أن الجنة تحت قدميها.
ولما ماتت أم إياس القاضي المشهور بكى عليها فقيل له: ما بك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما.
فالله الله في بر الوالدين، الله الله في بر الوالدين، من أراد السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة فعليه ببر الوالدين، من أراد تفريج الهموم والكروب وتيسير الأمور فعليه ببر الوالدين، من أراد الرزق وطول العمر فعليه ببر الوالدين، صح عنه أنه قال: ((من أراد أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليبر والديه وليصل رحمه)).
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى (عليه الصلاة والسلام ):
روي عن الصادق المصدوق محمد (عليه الصلاة والسلام ): أنه قال: ((إذا ظهر في أمة محمد أربع عشرة خصلة فانتظروا ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع كنظام قطع سلكه، ومن هذه الخصال: إذا أطاع الرجل زوجته، وعقّ أمه، وأدنى صديقه، وأبعد أباه)).
وعند الطبراني من حديث أبي ذر (رضي الله عنه ): ((يأتي زمان لأن يربي أحدكم كلباً خير له من أن يربي ولداً)). ونعوذ بالله أن يكون هذا زماننا.
عقوق الوالدين من أكبر الكبائر – يا عباد الله – عاق الوالدين ملعون، عاق الوالدين حرام عليه الجنة، عاق الوالدين دعا عليه أفضل أهل السماء وأمّن على هذه الدعوة أفضل أهل الأرض، صعد المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال: ((آمين))، ثم رقى الثانية فقال: ((آمين))، ثم رقى الثالثة فقال: ((آمين))، فلما نزل سأله الصحابة عن ذلك، فقال: ((لما كنت في الدرجة الأولى عرض علي جبريل وقال: يا محمد رغم أنف من أدرك أحد أبويه أو كليهما فلم يدخلاه الجنة قل: آمين، فقلت: آمين)).
إلى الله المشتكى مما وصل إليه الحال من عقوق الوالدين، لقد وجد في مجتمعنا أبناءٌ قلوبهم أشد قسوة من قلوب اليهود والنصارى، وجد من سب أباه ومن شتم أباه ومن استهزأ وتنقّص أباه، ووجد من تعير بأبيه وأمه وظن أنهما لا يتناسبان مع مكانته ومركزه، ووجد من فضل زوجته على أبيه وأمه، هذا رجل يذهب هو وزوجته وأمه إلى سوق الذهب وأم الرجل تحمل ابنه على كتفها، فيدخل الرجل وزوجته إلى محل صائغ الذهب، فيشتري الرجل لزوجته ذهباً بما يساوي 600 ألف ريال، وتأخذ الأم خاتماً بما يساوي ألفين وخمسمائة ريال، ويأتي الرجل فيحاسب عن الذهب الذي اشترته زوجته فيقول له البائع: بقي عليك ألفان وخمسمائة ريال قيمة الخاتم الذي أخذته هذه المرأة، فيغضب الابن غضباً شديداً ويقول: هذه العجوز لا تحتاج إلى ذهب، فتنفجر الأم باكية وتعود إلى السيارة وهي حاملة لابن ابنها ولسان حالها يقول: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ) [يوسف:86]، ويرجع الزوج إلى السيارة وإذا بالزوجة تؤنبه وتوبخه وتأمره أن يشتري لأمه الخاتم ولسان حالها يقول: من يحمل لنا هذا الطفل إذا لم تشتر لها هذا الخاتم، يأتمر الرجل بأمر زوجته ويذهب لشراء الخاتم ويعطيه لأمه، فتلقيه الأم في الشارع وتقول: والله لا ألبس ذهباً في حياتي، حسبي الله ونعم الوكيل.
هذه أحداث ثابتة وواقعة والله ليست أساطير تروى، ولا حكايات تتلى، وعشرات مثلها في البيوت، ونعوذ بالله من العقوق والعاقين.
فنسأله تعالى أن يجعلنا من عباده البارين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ) [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
فيا أيها العاق لوالديه، اتق الله واحذر دعوة من والديك قد تصادف ساعة إجابة، فتكون سهماً صائباً يرديك ويشقيك في الدنيا والآخرة، أذكر أن أباً كان له ابن اسمه منازل، وكان هذا الابن عاقاً بأبيه ولكن الأب الصالح دائما ما يذكره بالله، وكلما ذكره بالله زاد نفوره وعقوقه، وفي ذات يوم ألح عليه في التذكير فما كان من الابن إلا أن ضرب أباه، وما كان من الأب إلا أن شد الرحال إلى بيت الله الحرام وتعلق في أستار الكعبة، ودعا الله على ذلك الابن العاق، فوالله ما أتم الأب دعاءه إلا وقد شلت يمينه أشل يد ذلك الابن لدعاء أبيه عليه، فدعوة الأب على ابنه مستجابة.
وهذه حادثة وقعت في زماننا: أب كان له ابن يعمل في مزرعته، وأراد الابن أن يسافر للعمل ويترك أباه فاستأذن الابن أباه في السفر، فلم يأذن الأب وحاول الابن مع أبيه مرات ومرات ولكن الأب يرفض، فقال الابن: سوف أذهب وأسافر رضيت أم أبيت، وسافر الابن وعصى أباه، فما كان من الأب الصالح إلا أن توجه بيده إلى السماء وقال: اللهم أرني فيه ما يكره، فوالله ما وصل إلى نصف الطريق إلا وقد عميت عيناه، فرجع إلى أبيه وهو أعمى، فقال له الأب: هل وجدت السهم؟ قال: الابن إي والله، فحزن الأب على ابنه حزناً شديداً، وتأثر عليه تأثراً بالغاً، ونام ليلته تلك ساجداً راكعاً بين يدي الله سبحانه وتعالى يدعو الله بشفاء ابنه ويلحس عيني ابنه بلسانه، فوالله ما قام لصلاة الفجر إلا وقد رد الله بصر ابنه.
أيها العاق لوالديه، اتق الله وترقب عقوبة عاجلة، فكل الذنوب قد يؤخرها الله عز وجل إلى الآخرة إلا العقوق، فعقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة.
ذكر العلماء أن رجلاً كان عنده والد كبير، امتدت به الحياة حتى تأفف من خدمته والقيام على شؤونه، فأخذه في يوم من الأيام على دابة وخرج به إلى الصحراء، فلما وصل بوالده إلى صخرة هناك أنزله فقال: يا بني ماذا تريد أن تفعل بي هاهنا؟ فقال الابن العاق: أريد أن أقتلك، أريد أن أذبحك، فقال له الأب: أهذا جزاء الإحسان يا بني فقال الابن العاق: لقد أتعبتني في حياتي ولا بد أن أذبحك، فقال له الأب: إن أبيت إلا أن تذبحني فاذبحني عند تلك الصخرة، قال: ولم يا أبت ما ضرك أن أذبحك عند هذه أو تلك؟ قال: يا بني لقد كنت عاقاً بوالدي وذبحته عند تلك الصخرة، فإن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند تلك الصخرة، والله يا بني مثلها.
حصادك يوماً ما زرعت وإنما يدان الفتى يوماً كما هو دائن
فيا أيها الأبناء اتقوا الله في آباءكم بروا آباءكم، أطيعوا آباءكم، وإياكم والعقوق، فالتوبة التوبة، لا نخرج من المسجد إلا وقد عاهدنا الله عز وجل بطاعة الوالدين وبرهما والتوبة عن كل تقصير تجاههما، فإن لم يكونوا موجودين فلندع لهما ولنتصدق عليهما، ولنصل صديقهما فإن ذلك من برهما، وأنتم يا أيها الآباء أعينوا أبناءكم على الطاعة والبر، وادعوا لهم بالهداية والتوفيق، وإياكم من الدعاء عليهم فقد تصادف الدعوة ساعة إجابة فتندمون على ذلك يوم لا ينفع الندم.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.
موقع طريق الدعوة
محمد صالح
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
21/5/2011, 01:28 من طرف محمد صالح
» دور الشباب في تنمية المجتمع
3/5/2011, 02:22 من طرف عبدالرحمن المصعبي
» من أسرار العبادات الطبية
2/5/2011, 03:26 من طرف عبدالرحمن المصعبي
» ألقاب المعمولات في كتاب سيبويه - (دراسة في المصطلح النّحوي
2/5/2011, 03:24 من طرف عبدالرحمن المصعبي
» دمعة ندم ندم
2/5/2011, 03:24 من طرف عبدالرحمن المصعبي
» مواضيع ثقافية وادبية
2/5/2011, 03:23 من طرف عبدالرحمن المصعبي
» اغرب المعلومات في العالم
2/5/2011, 03:22 من طرف عبدالرحمن المصعبي
» لماذا سقط المسلمون حضاريا ؟
2/5/2011, 03:22 من طرف عبدالرحمن المصعبي
» لماذا سقط المسلمون حضاريا ؟
2/5/2011, 03:21 من طرف عبدالرحمن المصعبي